الفانتازيا العقلانية

Admin عدد الرسائل : 164 تاريخ التسجيل : 22/12/2006

في المجموعة القصصية "هواء خر ائبي,لسعيد بوكرامي."

تأتي المجموعة القصصية الثالثة,"هواء خرائبي" لبوكرامي ,امتدادا لتجربة أصوات قصصية أخرى..

بدءا من تجربته الأولى, «تقشير البطل"والتي سترقى, ب فرادة صوت صاحبها وتميزه وهذا يتضح منذ إصداره الثاني, «الهنيهة الفقيرة".. وما يجسد فعلا, هذا الهاجس مجموعته الثالثة, التي جسدت انفرادها بخاصيات أساسية صيغة ومعنى..وفق ماجاء في مقدمة الناقد صدوق نور الدين.. إذا كانت هذه القصص تجسد امتدادا للتجربة فإنها على السواء تنفرد,بخاصيات أساسية صيغة ومعنى.) فعلا, يبقى انفراد هذه المجموعة,بكونها أولا,(مجموعة) بالمعنى الدقيق, ونعني بهذا وعي الكاتب لهذا الفهم, على ما اشتغل عليه ليوحد إطارها العام , كالثيمة-موضوعة-( الموت) التي تكررت بشكل أو أخرفي أكثر من قصة,ثانيا توحيد

عضوية المجموعة كوحدات حكائية,أو بلوكات تنظر إلى الوراء( الماضي)..الماضي هنا يعني استدعاء زمن آخر,غير زمن الخطية الصوتية, استدعاء مفهوم جديد للفضاء والكتابة.. كما جاء في المقدمة.. (وحداثة حكائية صغرى هي مشاهد تتكامل وتتقاطع,بحكم – الموضوعة – المشتغل عليها, ووفق ما يحيل عليه العنوان تستدعي انطلاقا من الماضي.)

وعليه تأتي المتواليات اللاتي تنمو غالبا فكرة اشمل وحاكمة, وقد تكون سابقة على هذه الوحدات, أو تأخذ

في التشكل خلال إبداعها, ومثل هذا التصور الحاكم بالنسبة للكاتب يمكن أن يكون سلاحا ذا حدين,فهو يمكن أن يمنحه حسا واضحا بالمكان أو الشخصية,أو ثيمة في قصص, لكنه في الوقت نفسه يخلق له مشكلات شكلية,لأنه يقدم له إغراء بمقاربة الرواية... وهذا ما لمح إليه بذكاء ثاقب الناقد صدوق نور الدين, إذ يقول في هذا الصدد..إذا ما ألمحنا لكون القارئ(يخايل) المقروء نصا روائيا يتشكل من وحدات حكائية صغرى هي مشاهد تتكامل وتتقاطع بحكم الموضوعة المشتغل عليها..) ونجد مثل هذا الطرح عند "روبرت لوشر" على أنها متوالية القصة القصيرة...فكل متوالية تظهر على كل حال وحدة مميزة واكتمالا جماليا,وتنشأ عن دافع إبداعي فريد.

من هذا الطرح جاءت فرادة هذه التجربة والوعي بكتابة مفهوم( المجموعة)صيغة ومعنى, لكونها حافظت على وحدة عضويتها(كمجموعة) بالمفهوم الدقيق.. كما تكمن قدرتها على تبني نظاما(معنى) في مواجهة عالم مختل النظام..( إن ما نعيشه ليس واقعا حقيقيا, بل مجرد واقع افتراضي.)(قصة الفوريان.ص.11) ورغم الواقع والقصة يخضعان لمنطقين مختلفين, إلا أنهما يتقاطعان عند نقطة ما- كما هو الحال على سبيل المثال- عندما يجد القارئ نص من النصوص أن الصراع ينشأ بين هذين المنطقين,أو أن شيئا ما في منطق الواقع يتناقض مع منطق نص من النصوص, أو نص يبدو أكثر إقناعا أو تماسكا من منطق الواقع ( بياتريت سا رلو) وهذا ما يحيلنا على عدة قصص داخل المجموعة , والتي نعتبرها الفانتازيا

العقلانية,بعوالمها الافتراضية ..بحيث تقوم على قوى خيال لا تعرقله المعوقات التي تفرضها الجماليات التمثيلية.إن مفهوم فانتازيا أسلوب لا يعتمد إلا على الضرورة الداخلية للنص..استجابة خلاقة للاعقلانية التي بدا أن الحضارة الغربية قد سقطت فيها, ونعني الفانتا زيا العقلانية ذاك النوع من الخيال العقلاني,أو الشكل المنطقي للفانتازيا.

يقدم سعيد بوكرامي في (هواء خرائبي ) عوالم كابوسيه غير أنها كاملة بصورة استحواذية ومنظمة بانتظام مزعج ويتجلى هذا في القصص التالية: ( هذا صوته- الفوريان- السفليون- المؤامرة-حالة حصار..الخ) ونجده يستعين بسخرية لاذعة وأسلوب شائق للغاية, بل ومذهل في أوقات كثيرة, ويعريه من كل ما هو غير ضروري, بجمل قصيرة وتشبيهات غاية في الجدة..( الحافلة تخرخر بعنف كجمل مذبوح.) ص. 16) .. ويحاول تشيد جزيرة من الفستق لا يصلها احد منا, أو أسوارا من الكاكاو..)( وهذه القطط الناعسة تحت السقائف,كأنها خالدة لا تتحرك في وجودها ألعدمي,محافظة على تكرارها المطلق بعناية. ص.21 ) (ما يدور في ذهنه مصب لانهائي من الغمام والهباء.ص. 17) ( بدا لي المشهد غرائبيا وجديرا بفيلم سينمائي أو قصة قصيرة. .ص. 13)والشخصية الرئيسة تظهر في جميع القصص, باختلافات شكلية, ولكنها دائما مضطهدة, ومهووسة لها عالمه الخاص الذي تختلط فيه الحقيقة والوهم, ودائما المصادفة وسخرية القدر هي التي تقودها إلى مصيرها...............................................................................

تأسيا لما سبق,يجيء امتداد هذه التجربة, لأصوات قصصية أخرى,كأن تعيد من جهة امتدادا لأحمد بوزفور, وعبد الجبار السحيمي, ومحمد برادة, ومصطفى المسناوي, ولكنها في الوقت ذاته تبقى التجربة التي رسخت فرادة بصمتها,لتصبح امتدادا وزيادة,حرصها أن تكون ذاك الابن الذي يتملص من نظرة أبيه( بدون عقوق)استجابة لشروط متغيرات الكتابة, وتجاوز الواقع على ما هو مشروع ومتفق عليه, لاستكشاف ما هو جديد.

محمد اكويندي

سعيد بوكرامي:

هواء خرائبي:مجموعة قصص.

الطبعة الأولى:2007

دار أزمنة الاردن.لوحة الغلاف خالد الطهما زي ( العراق)