ليس لشجرات اللوز سوى ذكراك
جورج لويس برخس
(سبعة عشرة قصيدة هايكو)
ترجمة : خالد النجار
برخس شاعر ليس كالشعراء، وهو في متنه الذي يبدو غامضا، كأغلب الشعر الحديث يقول شيئا ما للقارئ؛ فهو لا يحترف الغموض المجاني، أي الغموض من أجل الغموض؛ ولا السريالية النافلة؛ وإنما يحاول، و من خلال متنه الشعري أن يقول التجربة الإنسانية الغامضة هي أيضا، يعبّر عنها في بعديها التاريخي، و الكوني..
فكل حدث بالنسبة لبرخس مهما كان بسيطا، متضائلا؛ هو جوهري في المسار التاريخي العام، بل في المسار الكوني؛ وله ترجيعاته البعيدة... إن موت ذبابة وراء زجاج النافذة يستوي لديه مع أفول حضارة؛ أو انهيار أمبراطوريّة ..
الحدث إذن لديه؛ ومهما ضؤل هو أساسي، وجوهري في التاريخ، له صداه الذي يظل يترجّع … وهكذا فكل احداث التاريخ من المتناهي في الصغر، إلى المتناهي في الكبر والخطورة، هي حدث واحد في عالمه.
وهي متساوية انطولوجيا أي شعريّا :
ضوء خفيف ينطفئ.
أهي ممالك تنطفئ
أم يرقة؟
و هذا الحدث التاريخي، والكوني والروحي في الآن، أي الشعري؛ هولديه مفرد، فذّ، أي خارق..و لكنه و في الآن نفسه يشترك مع غيره من الحوادث في المصير النهائي الذي تئول إليه كل الأحداث ألا وهو الأفول : أفول الآشياء في الزمن.
اذن، فكل الأشياء كذلك واحدة أمام المطلق.
فالحدث مفرد، فذّ؛ ووواحد متكرر.
بهذا الشكل المفارق يلتقي جورج لويس برخس بالفيلسوف الإغريقي هيراقليطس في شذرته التي يقول فيها : أنت لاتعبر النهر مرّتين : و التي تؤكد على فرادة الحدث، و أن العالم غير متكرر.
ولكنّه و في الآن نفسه يلتقي بالنقيض أي بالفيلسوف الألماني فريدريك نيتشة الذي يقول بالعود الأبدي .. هناك تكرار كوني لأحداث فـذّة. يعود الحدث و لكنّه ليس نفس الشيء الذي يعود في كل مرّة; يعني أن هذه الأحداث تتأسس على مفارقة فهي واحدة، و كل حدث في الآن نفسه فذّ.
و كل هذا معبّر عنه شعريّا.
إنه الهلال
هي أيضا تتملاّه
من الباب الآخــر
ولأنّ أحداث التاريخ هي جوهر غناءه فهي تشكل نسيج شعره. ان ذاك الاحتشاد لحوادث التاريخ، للحظاته، لرموزه الذي يتوارد في شعره هو ليس مجانيا، و ليس بلاغة خاوية، ولا هو نزوة لفظويّة.. تعني بأشياء هي في الذاكرة الانسانيّة ، أحداث ماصية و ديناميّة تشكل هويّة العالم,,
هنا قصيدة اختار لها برخس نمط الهايكو الياباني كقالب شعريّ يصب فيه تجربته.
النصوص
1
الجبل و الليل
قالا لي شيئا
لم أعد أعيه.
2
الليل الشاسع
هو الآن
عطر واحد.
3
أوجد أم لم يوجد،
ذاك الحلم الذي أنساه
عندما يعود الفجر؟
4
أيتها الأوتار الخرساء.
إن الموسيقى تدري
بما أحس.
5
ليس لشجرات لوز الحديقة،
أي فرح.
لاشئ سوى ذكراك.
6
و بشكل غامض
هناك كتب، وررسوم غرافيكيّة، و مفاتيح
تتبع مصيري.
7
منذ ذاك النهار
ما لا مست قطعة
من رقعة الشطرنج.
8
في الصحراء
يصّاعد نور الفجر
رجل ما يدري بذلك
9
السيف الذي لاهدف له
يحلم بالمعارك
أما حلمي فشئ آخر.
10
مات هذا الرجل
لحيته لا تدري بذلك
أظافره تواصل نموّها
11
هاهي اليد
التي تداعب أحيانا
شعرك.
12
تحت السقف
لا تحاكي المرآة
سوى القمر.
13
تحت القمر
هذا الظل الذي يتمدد
وحيدا.
14
ضوء خفيف ينطفئ.
أهي ممالك تنطفئ
أم يرقة؟
15
إنه الهلال.
هي أيضا تتملاّه
من الباب الآخر.
16
أيتها التي في البعيد
أيدري العندليب
أنّه يسلّيك؟
17
اليد القديمة
ماتزال تخط بيت الشعر نفسه
حدّ النسيان.