محمد اكويندي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

محمد اكويندي

مرحبا بكم في منتدى محمد اكويندي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصة الوَرَثة الأديب مفلح العدوان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
بواسطة محمد محمد اكويندي




عدد الرسائل : 18
تاريخ التسجيل : 12/01/2007

قصة  الوَرَثة  الأديب مفلح العدوان Empty
مُساهمةموضوع: قصة الوَرَثة الأديب مفلح العدوان   قصة  الوَرَثة  الأديب مفلح العدوان Icon_minitimeالجمعة يناير 12, 2007 3:50 pm

الوَرَثة

الأديب مفلح العدوان





الوَرَثة !!


للبعيدين أخفض جناح الشوق من اللهفة ، وأهمس شفيف صمتي : قتلني السر !!

للبعيدين أسوق توق الفراش لمعانقة النار ، وأبتدي بوح الحكاية ، كاشفا الناموس الذي أتكتّم عليه ؛ في أني لم أكن أحب العنب ، وما كنت أرغب يوما في مقاتلة الناطور ، غير أنهم أرغموني !!

***

هكذا يترتب سرد ما حدث :

الأحمر الذي أتوق لرؤيته ، لم تلوثه بشاعة الدم الذي كان يثيرني ، فيتصبب عرقي ، وأوشك على التقيؤ ما ان أراه يسيل حتى وإن كان كذبا على جسد ممثل ، غير أني كنت أرسم هذا اللون في مخيلتي مُلفّعا بغلالة الورد ، أو مبهورا بنشوة النبيذ ، لذا فأنا أدخل الآن كهف الكلام مغمضا عيني كي أنحت ما أريد أن أرى رغم قتامة ما حولي من مسميات ..

أبدأ طقوس كتابتي ، فأقدح البوح بصوان حرفي كي أنير جزءا من ذاك الظلام .. ها قد بدأت أرى ، عيني الى الداخل مقلوبة تسعى لاكتشاف كمأ الحكاية التي نفرت بعد أول ومض ، فكان أول الدهشة سؤال : كيف دخلوا الى كرمي هنا ؟!

كرمي الذي أحطته بالضلوع ، والشرايين ، والأعصاب ، والنبض ، والحلم ، والذاكرة ، والهجس ، وحصّنته بصمتي الذي تعالت دلالته لتتساوى مع اعظم القديسين !!

***

لم اكن اريد قتل الناطور ، لكنني حين اكتشفت أنه لم يتبقى عنبا في الكرم ، ولا نبيذا في الخابية ، راقبته بشوق لمعرفته ، لسبر كنهه ، لرفع الحجاب عن بشاعة جشعه ، وقرف نهمه ، ودناءة رغبته في مصادرة الكرم ، والتسلل الى نبض صاحبه ، ومحو ذاكرة مالكه !!

شاهدته : حين يشبع ينام ، وحين يجوع يبيع !!

***

حملت خنجري ، وقتلت !!


***

أحاول الآن الحفاظ على صورة الكرم في الذاكرة كما هي حين صادروه ..

أتوجه بكل ارادتي الى صندوق رأسي ، حيث الجمجمة التي تتكدّس فيها كل تجليات الماضي عن المكان الذي أحببت ، وفيه نضجت ..

صارت التفاصيل تبتعد قليلا ، قليلا ، وبات الرعب يخلخل جلال الكرم نقطة ، نقطة ، وأنا أحاول مرة الهروب ، ومرة التذكر !!

بيني وبين رأسي مسافة تكلست فيها الأفكار حائرة بين الخوف من الآتي ، وبين محاولة استعادة الكرم حتى ولو كان خاوٍ من أي عنب ، وخال من أي بشر !!


***

الخطوة الأولى كانت تغيير اسم الكرم ، لكني عرفته ، رغم محاولة الغرباء ، الذين كانوا يقلمون دواليه ، ويعملون على تغيير تضاريسه ..

الخطوة الثانية ؛ لم تعد تهمني ملامح الناطور ، لأنه لم يكن يظهر لي بعد أن قام بتأجير حقلي ، وأخذ منه كفايته من العنب ، ومن معتق النبيذ ، فصار الغرباء يهتكون براءة الدوالي ، ويتسللون بضجيج عبثهم الى كل تفاصيل روحي فيمزقون نقاء دمائي باستفزازهم لي ...

زادت سطوة الناطور ، ومعه تجبر الغرباء ، فتجاوزوا حدود الكرم باتجاه

جسدي ..

اقتربوا .. صاروا على مرمى همسة مني ، وكنت أريد أن أواجه الغرباء ، وأعاتب الناطور ، لكنه ، وقبل أن يتعالى حبل الكلام بيننا وجدته يشير الي قائلا لهم : منحتكم نبضه ، وأقطعتكم ذاكرته !!

اقتربوا أكثر ، وابتعد الناطور عني حاملا عناقيد العنب ، وزقاق النبيذ !!

تحولت ملامحهم الى هيئة ذئاب ، ونبتت لهم أنياب تسيل حولها خطوط دم بلون قان أكرهه ، ولا أطيق مشاهدته أبدا .. خفت ، فتراجعت ..

هربت ، فتبعوني ..

عشرات السنين وهم يتعقبوني ، بينما الكرم غائب عني ، وطعم العنب تغير ، وتكرّش الناطور ، ثم أقام في مسكني ، وزادت سلالته أبناءا من طينته ، ومن معتق خمري ..

بقيت أهرب ، وأرقب لحظة يغفو فيها الناطور ..

كنت أخاف على صندوق ذاكرتي ، ومشكاة روحي من أن يصلها الغرباء بعد أن أطلقهم الناطور ، كلاب أثر ، ورائي ..

أهرب ، فيتعبون ولا أتعب ، حتى نام الناطور وكان خنجري بيدي ، فقتلته ..

لم يتوقف الغرباء ..

رأيتهم يضحكون كثيرا ، ولم يبكوا حين فارقهم الناطور بل أحضروا ورثته ليكملوا أكل العنب بدلا من أبيهم المرحوم ، واستمروا في مطاردتي !!


***

لا أرى احدا ..

كأني محبوس في تلك الزاوية من الشهيق والزفير فقط ، وأتحرك في مساحة لا تتجاوز بصمة يدي ..

الآن .. لا أريد العنب ، ولا جثة الناطور .. هل استطيع الاحتفاظ بصندوق ذاكرتي قبل أن يتقاسمه الورثة ، أو يسرقه الغرباء !!





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصة الوَرَثة الأديب مفلح العدوان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
محمد اكويندي :: مختارات-
انتقل الى: