محمد اكويندي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

محمد اكويندي

مرحبا بكم في منتدى محمد اكويندي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 صرخة الطلق

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد اكويندي
Admin
محمد اكويندي


عدد الرسائل : 164
تاريخ التسجيل : 22/12/2006

صرخة الطلق Empty
مُساهمةموضوع: صرخة الطلق   صرخة الطلق Icon_minitimeالجمعة مايو 14, 2010 12:01 pm

قصة قصيرة صرخة الطلق
محمد اكويندي

باعدت بين الطحال والكبد، قدر الإمكان حتى لا أُصيب أنبوب العصارة الصفروية، الذي يخترق الكبد، بخدش، أو ثقب، وتغمرني السوائل المُرة، أو، أتسبب لا قدر الله لأمي في موت مفاجئ قبل أن تلدني.
أرى من وراء ضلوع ظهرها، التي تشبه ثلمات خصاص نافذة، امرأتان: واحدة فارعة الطول، خشنة المنظر مدببة الرأس كالرمح.. وأخرى تتقرفص أمام حجر أمي بوجه مفلطح يحتله أنف أفطس جعلها شبيهة بضفدعة "بورية".
فعلتي النزقة تلك، جعلت وجه أمي نحيفا ومتيبسا، للإشفاق عليها أعدت جسدي إلى وضعه الطبيعي، أي رأسي نحو المستقيم... ويداي بين فخذي ليواريا سوأتي. من خلال فتحة المستقيم، أرى علامة الحزن ترتسم على وجه أمي، بعدما صرت بين يدي القابلة دويدة شريطية، أتلوى وأرتجف. أمسكتني من قدمي الإثنتين ورفعتني عاليا، ثم ضربتني ضربة خفيفة على مؤخرتي اللينة بيدها الأخرى. أمي الآن تتفصد بالعرق وترتجف تحت الأغطية السميكة، بيني وبينها خيط شعاع سري، حين كتمت صرخاتها المتحشرجات وتوسلاتها وأدعيتها، انزلقت من رحمها.. تلقفتني بلهفة يد القابلة، قبل أن أصرخ صرختي الأولى.. بدون شفقة بترت حبل السرة.. الحبل الذي يمدني بالزاد والأمان.. الحبل الذي يقيني الحر والقر، الآن أنا عار، في وضع مقلوب، رأسي أسفل وقدماي أعلى، فجأة شع ذاك الخيط السري بشعاع متوسل من عيون أمي متوجها إلى الوجه العبوس، الذي استقبله بالجفاء والصدود، أرى المرأة الأخرى تنسل من خلف ظهر أمي وتغمر المجمر بالبخور، فتبدو عيناها الدائرتان البراقتان من وسط كثافة الدخان كعيون بومة في عز الليل. أحضرت مهراسا، فازداد هلعي وخوفي وارتجافي، فعاودني الخوف والصراخ، وتناوشتني الوساوس، هل سيضعاني داخله ويدقانني دقا؟ يتلوى جسدي اللين في رجاء وتوسل، حتى كدت أفلت من قبضة القابلة، وتتهشم جمجمتي في قاع المهراس. حركت المرأة بأصابعها الجمرات الخامدة حتى توهجت وأنارت وجوهنا الأربعة. بغتة غمرنا دخان كثيف، حجب عني الرؤية.. لعل أمي ترتجف تحت الألحفة الغليظة. لملمت القابلة أذيالها ورجليها، وزحفت نحو المهراس. أخذت تهدهد جسدي اللدن الرخو. أحس معها ببرودة تسري على مستوى البطن والصدر، برودة مصدرها حبل السرة الذي يتقاطر كقطارة.. قطرة.. قطرة..القطرات المتساقطة في قاع المهراس تحدث رنينا.. كأن جسدي حقل قوة في حالة رنين مع ما يقترب منه.. أنا قريب من المهراس، كلما هبط عاموده بيد القابلة، ارتفع صوتها محاك صوت الرنين، وهي تعمدني بكلماتها:
" الطنْ فْ راس اللي ما يفْطن. كاين البحر كاين المخزن
الطنْ فْ راس اللي ما يفْطن. كاين السجن كاين الوطن
الطنْ فْ راس اللي ما يفْطن. كاين الظلم كاين الغبن".
بعدما عمدتني تركتني... وحدها النظرات الحانية تواسيني وتحوطني بالعطف والحنان، أشعر معها أن جسدي ينفلت مني، في نمو سريع تجاوز ما كان عليه.. قطرات حبل السرة تجعل المهراس طافحا. هي نفسها قطرات الزمن المنفلت، إنه النزيف.. نزيف للزمن أكثر من الفصد الرفيع لوريد مخدوش. لكن زمنا يصل يكون فيه لقطرة واحدة القدرة على جعل المهراس طافحا. هذا أحسسني أني رجل مكتمل.. مكتمل وناضج.. أجوب طرقات وشوارع المدينة الملتفة على نفسها كالمعي الأعور، وأتساءل مع نفسي: والآن، أين المخرج من هذه الفوضى والعشوائية؟ ازدحام. اكتظاظ. تدافع. شتم. بصاق. أعصاب. جري دون الالتفات إلى الخلف، كأن المدينة في مطاردة أزلية مع وحش غير مرئي.. ليزداد المعي الأعور أشد التفافا وإحكاما. تهتدي المدينة لحل هذه المعضلة المحيرة، فتجد الحل في تشييد برجين، إلا أن خيبتها لم يرمز البرجان إلا إلى فكرة واحدة للناس، أكثر من مجرد أشكال أعضاء تناسلية لعبادة القوة المنجبة. ازددت عمقا وتوغلا في قلب المدينة، أتفرج على فيترينات تعرض من خلال ألواح زجاجها الشفاف قمصان وأحذية وقبعات وربطات للعنق، بماركة NIKE المقلدة بإتقان، حتى يستحيل تمييز الأصل.. باسم الموضة والحداثة.. الحداثة؟ إنها الضجة الأكثر تلوثا التي أنتجتها الحداثة مكرا. إنها أصعب ما يمكن الدفاع عن النفس منها.. إن الضجة هي الصوت الأعلى من تردد صوت البشر.. أتوغل أكثر.. فأكثر حتى أصل إلى القاع.. قاع.. قاع.. أسمع ارتطام جسد سكير يتدحرج أرضا، بركلات نديمه الذي لا يكف عن رفسه وتعنيفه: ".. تدعي أنك بيضاوي؟ البيضاوي* عندنا تْران أو جورنال، حتى مول جورنال "عاق" وبدليه سميتو بالوطن. أنت الآن تْران أو وطن؟".
يقول الوطن في الصفحة ما قبل الأخيرة: "حقوق المواطنة في الوطن: "زَم وقَم".
وفي الصفحة الأخيرة يستطرد الوطن: " أما التران الملقب بالبيضاوي، فإنه يساق برأسين من كلتا الجهتين، فنحن والله لا نملك إلا رأسا واحدة، ولهذا السبب فضلنا اسم الوطن"، ثم يضيف غامزا سارد هذه القصة: لماذا جعلت كلمة " عاق" برأسين تقرأ من الجهتين؟

- البيضاوي اسم صحيفة كانت تصدر بمدينة الدار البيضاء؛ وهو لقب قطار كان يربط مدينة الدار البيضاء بالقنيطرة أيضا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mohamedgouindi.kanak.fr
 
صرخة الطلق
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
محمد اكويندي :: منتدى القصة-
انتقل الى: