محمد اكويندي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

محمد اكويندي

مرحبا بكم في منتدى محمد اكويندي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الجسد بين التراث والحداثة(5)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد اكويندي
Admin
محمد اكويندي


عدد الرسائل : 164
تاريخ التسجيل : 22/12/2006

الجسد بين التراث والحداثة(5) Empty
مُساهمةموضوع: الجسد بين التراث والحداثة(5)   الجسد بين التراث والحداثة(5) Icon_minitimeالسبت ديسمبر 01, 2007 1:27 pm

- الانزياح، أو الجسد بين التراث والحداثة
يستند هذا العمل إذن إلى التراث، تصورًا وكتابة، ليتخذ منه شرعية وسلطة لا يملكها الكاتب من تلقاء نفسه. ولكن علينا أن نتساءل الآن: هل التراث يستغرق هذا العمل ويستنفذه ليبتلعه كليًا ويجعله صورة عنه أو نتاجًا ثانويًا من نتاجاته، أم أن هذا العمل تمكن من فرض شخصيته المتميزة جاعلاً من التراث مرتكزًا للانطلاق إلى آفاق جديدة لا محطًا ورحمًا يذوب فيه؟. وبتعبير آخر: هل هذا النص تمجيد للماضي أم توظيف له في انطلاقة مستقبلية تبتكر ولا تممتعيد؟
لا شك أن القارئ يحس أحيانًا بأن شحنة من الحنين، متأتية من مختلف الوسائل السردية التي يلجأ إليها الراوي، تحاول أن تأخذ بمجامعه وتلفه لترميه في ذلك الماضي المثالي المصفى من كل عيب. لا سيما وأن الراوي لا يشير إلى أي معطب من معاطب هذا الماضي، بل أنه يمر الهوينى على بعض من مثالبه - أقله إذا نظرنا إليها من وجهة نظر حديثة - ليس لها أي مبرر على الإطلاق في عصرنا، منها قضية الرق. ولا منازع في أنه كان باستطاعة الراوي أن يبتدع سبلاً أخرى تجنب القارئ الشعور بأنه يغض النظر عن هذه المثالب، وذلك، مثلاً، باتخاذه امرأة حرة، لا جارية، شريكة لكمال.

ولكن بالرغم من هذا الإحساس، يبقى هذا النص بعيدًا عن السلفية. إنه استيطان للتراث لتوظيفه في مشروع تحديثي متميز، ليس لمقولات التراث أن تجاوزه. يوهم بالتراث لتوظيف سلطته في رؤية مستقبلية شخصية تقلب الواقع الراهن فيما هي تتجاوز التراث نفسه. ولعل الأسطرة التي أشرنا إليها سابقًا تصرح عن وظيفتها الحقيقية في هذا السياق. إذ لا يراودنا أن يكون الكاتب /الراوي من السذاجة بحيث إنه يتغاضى عن كل سلبيات التاريخ العربي الإسلامي ليبتسره إلى صورة مثالية مبسطة إلى هذا الحد. فهل يعقل مثلاً ألا يرى في حياة الحريم إلا هذا الرغد وهذا الصفاء في التعامل والحب، كأن الرق (أليمست زبيدة المرأة، على تعددها، جارية تهتم بالجواري؟) لا يعني شيئًا أو كأنه الدرجة المثلى في العلاقات بين البشر ولا سيما بين الرجال والنساء؟ وهل يصدق أن يكون عنف التاريخ ووحشيته على العامة يمحي كالسطر المكتوب في لقاء الرجل بالمرأة في سويعات الليل القصيرة؟ أو أن يكون كل زواج شرعي من النقاء والحب ما يفترضه الراوي في سلالته؟ فالأسطرة صورة لما يريد الراوي أن يعكسه على المستقبل، متجاوزًا كافة قيم الحاضر. فالمسافة التي تفصله طوعًا عن حاضره لها ما يقابلها ضمنيًا، في علاقته مع ماضيه، وذلك ما يتجلى في موقفه من الحب كما في موقفه من اللغة.

3. 1 الانفصال عن الماضي أو الحب الشخصاني
فإذا كانت المسافة الشاسعة التي يضعها الراوي ما بينه وبين عصره متبدية في الصور السلبية المتكررة، التي يضيفها عليه، كما في الإيرونيا المتمثلة في المفارقة الساخرة التي يتناول بها وصف ما يجري له في الطائرة والمطار بنوع خاص [20] فإن مثل هذه المسافة نلحظها ضمنيًا ما بينه وبين التراث.
شتان ما بين الحب في كتب الباه وبينه في رجوع الشيخ. فهو في الأول جسدي محض وإن تهذب وانصقل ليتمثل وجود الطرف الآخر إلى حد ما. فكتاب ابن كمال، المؤسس أصلاً على "الجماع" (والكلمة كثيرة الورود، على فقرها وابتسارها لهذا الفعل الإنساني)، إنما يعالج سياق هذا الفعل لإنجازه بكفاءة قصوى. فما ينصح به من "محادثة وقبل ومزاح" وغيره ما هو إلا وصفة من الوصفات، أو تقنية من التقنيات، التي لا بد منها لبلوغ ذروة اللذة الجسدية. إنه نوع من تحضير المادة أو الأداة التي يفترضها الجماع. أو بتعبير آخر، تبدو المرأة في هذه العملية أقرب إلى الأداة منها إلى شريك له كامل الحرية والمبادرة كإنسان يتعامل معه الرجل بندية. ولذا لا يقتضي هذا الفعل من الرجل أي عاطفية شخصية بالمعنى العميق، لا يقتضي إلا الرغبة أو الشبق بمعناه الغريزي الفج. وهذا أمر ينطبق على التصور التقليدي للعلاقة مع حوريات الجنة.

إنهن يمثلن الكمال الجسدي والبكارة المطلقة، أي مطلق الجهوزية للجماع، ولا عجب من ذلك إذ إنهن مكافأة أعدها الله للصالحين من عباده (وليس للصالحات ما يشبهها).

أما في رجوع الشيخ فالحب آخر. صحيح أنه يتمثل البعد الجسدي على أفضل وجه، ويتخذه ركيزة كل موقف إنساني حق، إلا أنه لا يصبح كذلك إلا لأنه يتضمن أبعاد أخرى، عاطفية وفكرية وحياتية، تجعل منه علاقة فذة متميزة بين رجل بعينه وامرأة بعينها. إنها علاقة ليست فردية وحسب بل شخصية، وحتى شخصانية. إنها لقاء شخصين ندين شريكين بكل معنى الكلمة ليس فقط في الفعل نفسه بل في المصير والصيرورة ذاتهما.
فالمرأة هنا فرد له اسم، زبيدة، بعكس النساء والجواري اللواتي يرد ذكرهن في كتب الباه، واللواتي ينعتن أحيانًا برقمهن (فتقدمت الجارية التاسعة وقالت). فالاسم تحديد للمسمى (إن الأسماء تنزل من السماء، إذ إنه "علّم آدم الأسماء كلها"). ولها مع شريكها تواصل على كافة المستويات. تواصل نفسي أولاً، فهي تدرك ما يعتمل في داخله دون أن يفوه بكلمة. فزبيدة المرأة تشتبه من حركة يدي كمال على جسدها بسر يخفيه عنها:
يا كمال، ما نعمت بحمامي كما نعمت به اليوم، أي سر سكت عنه لسانك وقالته لجلدي ولحمي يداك؟ - ص 66.

أما زبيدة الزوجة فتعزي كمالها بالقول:
هناك أضمك فأجد كتبك التي قرأت وتلك التي لم تقرأها بعد - ص 82.
وعلى كل حال فهي وكمالها ربيبان، كبرا معا وتواشج قلباهما قبل تواشج العناق:
حكت لي عن حينذاك، قالت: أحسست البلوغ في جسمي فتحيرت. وحين برز صدري فرقت، تلفت. وجدتك متربصًا تنظر إلي. ناديت جسمي أن يتفتح وينضو ليكون لك. – ص 68.

وآية هذه العلاقة ما يربط كمال الجنة وزبيدتها:
ما تكتمل المعاني في خاطر زبيدة حتى يحيط بها قلب كمال. - ص 65.
ويكتمل التواصل النفسي بتواصل في الحياة اليومية والمصير الواحد، فهما يواجهان صعوبات الحياة معًا ويتقويان ببعضهما، ويجمعهما مشروع عائلي محدد، يبنيان ببعضهما أسرة يكرسان لها العمر. ويتوج بتواصل فكري. أفليس من الطريف في هذه القصة أن المرأة هي التي تعلم الرجل القراءة بعد أن تعذر ذلك على المؤدب؟ المرأة هنا مرتبطة بـ"اقرأ" تلك الكلمة الإلهية التي تعطي الإنسان أبعاده القصوى. تعلم الرجل القراءة فيأتيها بكتاب هو من عيون الكتب. فهل بعد هذا التواصل الفكري من مزيد؟.

وهكذا تكتمل العلاقة بين الرجل والمرأة على ما شاءته زبيدة المرأة إذ قالت:
يا كمال، إنني أريد أن أكون فيك، أن أكون لك العقل والقلب والعين واليد واللسان - ص 62.
وزبيدة الجدة التي تمزق كمالها
مفتشة فيه عما ينقص اكتمالها - ص 71.
تكون مولاته أن يكون مولاها. الجسد مرتكز الحب وليس منتهاه، يتآخى مع العاطفة والفكر ليفجر الحب عوالم لا تنتهي.
بسبب من ذلك كله، تتكشف هذه القصة عن قصيدة هي من أجمل قصائد الغزل، قديمها وحديثها. تنقي غزل امرئ القيس وأبي نواس من موقفه الفحولي، كما غزل نزار قباني من نرجسيته وبدائيته. تهب الغزل العذري بعده الجسدي وغزل عنترة وجرير قوامه الفكري. تكمل طوق الحمامة وتضيف إلى الغزل الصوفي بعدًا إنسانيًا لا يذوب في الألوهية. إنه غزل الإنسان بما هو إنسان مكتمل جسدًا وعاطفًة وفكرًا وروحًا، يذكر برومانسية نوفاليس وأنداده التي شاءت أن تؤسس موقفًا ثوريًا حداثيًا، تبهت أمامه كافة الحداثات التي يتشدق بها البعض عندنا. ونكتفي بهذا الحوار تدليلاً على ذلك:
قالت: ماذا لدي من الحسن؟ قلت: تسعينني حتى ما تساورني خارجك رغبة. قالت: ولذلك أحببتني؟ قلت: إنني شغفت بك. قالت: وما شغفك؟ قلت: أترحل فيك. قالت: وراء الشوق؟ قلت: وراء العماء. قالت: وأنا النعمة لبطنك وصدرك ويديك وشفتيك؟ قلت: اشتبه علي الاثنان. قالت: أحببني لينفصل جوهري عن جوهرك. قلت: أنت عالم لا تتأجج له في الوجدان عاطفة واحدة. قالت: وما شأنك؟ قلت: أترحل فيك. - ص 72.

واللافت هنا هو الدور الذي تضطلع به المرأة؛ ليست فقط شريكة للرجل، إنها العنصر الأساسي في تكوينه، أو كما يقول فريدريش شليغل ومعه نوفاليس، إنها طريق الإنسان إلى ذاته، وسيطته، بل شفيعته لدى ذاته، فهى التى تنشئه إنسانًا-رجلاً متكامل الصفات [21].
الحداثة بمعناها الشخصاني، في أجمل تجلياتها، تجرف كل ما يشوب الحنين من التباس؛ إذ ليس لمثلها مثيل في ذلك الماضي المجيد. إنها حداثة تجد في الأسلوب اللغوي رديفًا ولباسًا لها.

3. 2 الأسلوب اللغوي أو الكلاسيكية العصرية
التناص الأسلوبي عنصر مهم من عناصر الكتابة هنا، كما سبق وبينا، إلا أنه يؤدي وظيفته ضمن استراتيجية محددة أشرنا إليها، يغني النص ولا يستفذه على الإطلاق. صحيح أن عدواه تسرى أحيانًا في بعض مقاطع النص التي خارج التناص، مما يتجلى أحيانًا في التعداد والتفصيل (تراكم الأسماء والنعوت بدون فائدة تذكر) فتتشابه هذه المقاطع مع المقاطع التناصية. غير أن هذه الظاهرة تبقى محصورة، ويبقى المجال مفسحًا لشخصية الراوي الأسلوبية لتتجلى بكل وضوح. وبالمقابل، تسري ملامح هذا الأسلوب إلى المقاطع التناصية فتخفف من حدتها وتاريخيتها، مما يتجلى في انتقاء المفردات وتبسيط العبارة.

هذه الشخصية تتماهى مع الموقف الفكري العام الذي يسم النص؛ تمد جذورها في التراث، في تراث منتقى، مصفى، فتتحاشى الرطانات والعجمة التي لا يسلم منها بعض أدبائنا المعاصرين، وفي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mohamedgouindi.kanak.fr
 
الجسد بين التراث والحداثة(5)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
محمد اكويندي :: التصنيف الأول :: دراسات أدبية-
انتقل الى: