غراب يناير
الفك يغازل الفك، و أنا أفك شفرة هذا الفعل:
بين أن أقرأ أو أصغي إلى فكي الرجل، الفك يغازل الفك.. و اليد تدخل في جوف الكيس البلاستيكي الأسود، تأخذ شيئا ما، و تقذفه داخل فمه، للكيس الأسود هيئة غراب ميت فوق منضدة، أدفن وجهي في قلب الجريدة، أسمع اصطكاك الأضراس، و أتخيل الحركة السابقة، الفك يغازل الفك، أتظاهر بالقراءة، و أحس مع نفسي، أنه حال اتنهائه من الأكل، سيطلب مني رؤية الجريدة... في الطرف الآخر شاب، يفك شبكته.. و إزائي الفك لا يكف.. و أنا أفك هذا المحتمل المنتظر.. أبتلع ريقه، و جحظت عيناه، و قال:
" لحظة من فضلك.."
ناولته الجريدة، و أخرجت أخرى، كانت تنتظر دورها في جيبي، كف الفك عن مغازلة الفك، و توقفت الأضراس عن المضغ.. فك فريق من الخبراء عددا من الألغام في.. نطت عيناه، من هذا العنوان، إلى آخر في أقصى الصفحة، و من أقصى ركن في المقهى، جاءتني إشارة من رجل مغموس في الظلمة هناك، ففهمت منها أنه يود الاطلاع على الجريدة.. و من يد إلى يد حتى وصلته... ( انتفض الغراب مفردا جناحيه، ثم حلق بعيدا.. حتى حط فوق سور عال.. لم ينعق، و لم يمش مشية الحمام، بل بدا حائرا بين الحب المنثور.. تارة ينقر من أمامه، و أخرى يدور حول نفسه، و أحيانا يهتز اهتزازا مع الريح، قافزا.)
قفز عقرب الساعة الحائطية إلى وقت الموعد المحدد، ففكرت في استعادة الجريدتين، إلا أن صاحبي، الأول تجاهلني بوجود ضالته في فك، و الآخر، فك يافطة الجريدة، و وزعها على أصدقائه.. فغر الغراب منقاره و ابتلعني... كانت حوصلته مزدحمة بثلاث هلاليات، لعلها وجبة إفطاره هذا الصباح.. و بين ضيق الحوصلة و صهدها، قلت:
" لو اكتفى بواحدة فقط، و اشترى بثمن الأخريين.."..
اعتصر غاضبا فتبرزني لأتقذف خارجا..
بللني رذاذ مطر مفاجئ،... أعدت ربط خيطي حذائي المفككين، و أنا أستعد لفكاك...
محمد أكويندي