محمد اكويندي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

محمد اكويندي

مرحبا بكم في منتدى محمد اكويندي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 السر بضمير المخاطب(2)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد اكويندي
Admin
محمد اكويندي


عدد الرسائل : 164
تاريخ التسجيل : 22/12/2006

السر بضمير المخاطب(2) Empty
مُساهمةموضوع: السر بضمير المخاطب(2)   السر بضمير المخاطب(2) Icon_minitimeالأحد نوفمبر 25, 2007 2:46 pm

(٣)

والمعيار الذي يحدد النوعية الثالثة من نوعيات السرد بضمير المخاطب، التي أسميها «النوعية الموجهة إلى الذات»، هو التوجه المباشر إلى «الأنت»، الذي يكون أحيانًا هو نفسه القارئ الفعلي للنص، تتجاور قصته مع شخصيات القصة، وقد تندمج فيها. إنها إضفاء للطابع السردي على شكل من أشكال الحديث، وهو ما لا يتبدى إلا في شواهد «صافية» نسبيًّا في نصوص بالغة القصر، مثل قصة ميروين «ضمير المخاطب». أما في الأعمال الأطول، فيتم السرد بالتناوب بين ضمير المخاطب وضميري الغائب والمتكلم.

وهذه النوعية من السرد بضمير المخاطب، التي قد تعود أصولها إلى «أناشيد مولدورو» للوتريامون، موجودة في رواية بيكيت «الكريه» The Unamable، ونراها في معظم صفحات رواية إيتالو كالفينو Italo Calvino المسماة Se una notte d inverno un viaggiatore إنها نوعية تلعب - مثل الشكل الشرطي- من خلال تصور ما هو نمطي. كما أن الراوي فيها متمايز تماما عن المروي عليه. والسرد في هذه النوعية - مثل السرد في النمط النموذجي- يتم في الزمن المضارع، كما أن بعض تحول الضمائر هنا أمر بديهي. لكن أكثر خصائص هذه النوعية تميزًا وحسمًا، هو التبدُّل الدائم في الإشارة إلى «الأنت»، التي يتم التوجه إليها باستمرار. تبدأ رواية كالفينو بأوصاف للقارئ الذي يتفاعل مع الكتاب: «أنت الآن بصدد البدء في قراءة رواية إيتالو كالفينو الجديدة «لو كنت مسافرًا في ليلة شتوية» (ص١). تنطبق هذه الجملة بالضرورة على كل قارئ فعلي يفتح أولى صفحات الكتاب، وللوصف هنا قانون جديد؛ فاستجابة القارئ يتم تصويرها حال حدوثها. إن زمن الراوي المضارع متطابق مع زمن تلقّيه، وكما يوضح جون.تي.كيربي Kirby فإن القارئ في قصص ميكلينيرني Mclnereny - يعرف أنه أو أنها المخاطَب مباشرةً، خارج السرد، ولا يزعم التطابق إلا مع الشخصية الرئيسية، وكجزء من فعل اللعب الذي تتألف منه عملية القراءة. واستراتيجية كالفينو المعقدة تقوم على وضعك، أنت القارئ الخارجي، في وضع الدفاع، وجعلك موضوعًا للخطاب المباشر، بحيث يخطفك أو يستدرجك إلى داخل السرد»(ص١١).

ويصل الحال بنص كالفينو إلى توجيه النصيحة، فيما يتعلق بالوضع المريح في القراءة:

«ابحث عن أكثر المواضع راحةً، اجلس، أواسترخ، نم ملتويًا او ممددًا، استلق على ظهرك أو على جانبك أو على بطنك، على مقعد مريح، على الأريكة، على الكرسي الهزاز، على كرسي المركب، على حزمة العشب، على الأرجوحة الشبكية إذا كنت تملك أرجوحة شبكية، على قمة سريرك طبعًا أو في السرير، يمكنك حتى أن تقف على يديك أو على رأسك في وضع اليوجا، ويكون الكتاب بجانبك طبعًا» (ص١)

يحدد كالفينو هنا غالبية المواضع التي اختارها القارئ فعلاً، وستستمر «الأنت» في النص متطابقة مع القارئ الفعلي للكتاب، باستثناء الحادثة غير المحتملة التي تقول بأن المرء سيقرأ الصفحة - مثلا - وهو واقف في مكتب كبير العمال في مصنع الكرتون. إن نوعًا من اللعب يبدأ الآن ما دام كالفينو يصف بوضوح وضعنا الفيزيقي أو تلقينا العقلي، إنه يتوجه إلى القارئ الفعلي بأسلوب تقريبي لا ثقة فيه، ولكن حالما يخطئ، أو يستطرد، أو يغير وجهته، كما فعل حين وصف القاريْ وهو يكافح ليفتح غلاف الكتاب (وهو الفعل الذي لا يمكن أن يحدث في وقت إدراكنا له) أقول حالما يحدث ذلك، نعود إلى دور القارئ الضمني الموثوق فيه؛ «فالأنت» هنا تخصُّ شخصية قصصية، هي المروي عليه وقد اتخذ طابعًا دراميًا. وخلال النص كله تستمر «الأنت» في الحركة، والتبدل، والتراجع، والتغير مرةً ثانيةً، مخاطبًا - بالتناوب - القارئ الحقيقي مرة، والقارئ الضمني مرة، والمروي عليه مرة.

ويكتب كالفينو في صفحة أخرى: «أنت هنا - إذن - مستعد الآن لاقتحام السطور الأولى من الصفحة الأولى»(ص٩). هذا الكلام موجه للمروي عليه؛ لأن القارئ الفعلي كان قد بدأ قراءة الرواية منذ عدة صفحات. ثم يقول كالفينو : «أنت مستعد لإدراك نغمة المؤلف التي لا يمكن أن تخطئها..لا، إنك لا تدركها بالمرة، ولكن من الذي - إذا فكرت في هذه النغمة - سيقول على الإطلاق إن لهذا الكاتب نغمة لا نخطئها». وهذه السطور أيضًا موجهة إلى المروي عليه؛ فالقارئ الضمني كان قد فهم فعلا لمسة كالفينو: المفارقة الماكرة، وتدمير تقاليد السرد، والانعكاسية التي لا مفر منها. وهنا يطرح المؤلف مراهناته «إنه معروف - على العكس - بصفته مؤلفًا يتغير بشكل كبير من كتاب إلى الكتاب الذي يليه، وأنت تدركه في هذه التغيرات وكأنه أنت نفسك». من الممكن أن يتوافق القارئ الفعلي مع الجملة الأولى من هذه الجمل، بينما سينظر القارئ الضمني في النسخة الثانية الأخرى من موضوع الهوية: الموضوع الخاص بالأفراد، بالمواقع السردية، بالكتاب نفسه، وهو الموضوع الذي يتخلل النص(10). وحين يذهب كالفينو إلى «أنك ربما تشعر في البداية بضياع حاد»(ص٩)، فإن هذه العبارة قد تشير وفي وقت واحد، إلى كل القراء المختلفين، الذين يحرص علم السرد الشكلي على التمييز بينهم في نظريته. وتشي العبارة في الوقت نفسه، بالمواقف المضادة لمذهب الوجودية، فيما يتعلق بما يميز الهوية الشخصية في النظرية ما بعد البنيوية والسرد ما بعد الحداثي. في عمل كالفينو يندمج الأدب والفلسفة، وينمحي مفهوم الشخص، وينصهر التقديم المباشر مع التمثيل عبر وسيط.

(٤)

من الطبيعي أن يطرح استخدام ضمير المخاطب في النصوص التي ناقشناها، أسئلة تتصل بمجالات السرد الأخرى، ومناحي النظرية النقدية المختلفة، أبرزها ما يتعلق بنظرية استجابة القارئ. إن العلاقة بين «الأنت» في النص من ناحية، والتصورات النظرية الخاصة بالمروي عليه، والقارئ المقنع، والقارئ الضمني من ناحية أخرى - هذه العلاقة على وجه الخصوص تستدعي البحث.

يعرف جيرالد برنس - وهو واحد من النقاد القلائل الذين درسوا هذه الظاهرة - السرد بضمير المخاطب بأنه «سرد يكون فيه المروي عليه هو البطل في القصة التي يرويها، أو ترويها» (قاموس السرديات ص٤٨). أما هيلموت بونهيم فيلاحظ أن «الأنت» في السرد تشير في وقت واحد، إلى الراوي، والبطل، والسامع/القارئ في النص المكتوب بضمير المخاطب(١١).

ومن الواضح تمامًا أن مثل هذا التطابق مبرر دائمًا؛ فنحن قد نسلم جدلاً بأن البطل في رواية ميكليرني، وربما في رواية أوبرين، هو أيضًا المروي عليه، وأن الراوي في كل من الروايتين يخاطب نفسه بضمير المخاطب، لكن هذه لا يمكن أن تكون هي الحال في روايات بوتور وفيونتيس؛ ففي الصفحات التي استشهدنا بها للتو يفصح الراوي عن معلومات غير معروفة بالنسبة للبطل «(إنك حتى لا تلاحظ رماد سيجارتك وهو يتساقط في كوب الشاي الذي تشربه» فيونتيس ص٣١)(١٢). قد يتماثل المروي عليه مع الراوي، لكنه -أو لكنها -متمايز بالضرورة في هذه اللحظات عن البطل، رغم أنه مشترك معه.

هذه الطريقة التي تقف بها «الأنت» السردية معارضةً للقارئ أو منصهرةً معه، سواءً كان قارئًا ضمنيًّا أو قارئًا فعليًّا، هي واحدة من أكثر السمات جاذبيةً، في السرد بضمير المخاطب من النوع الموجه إلى الذات(١٣). غير أن هؤلاء القراء لا يمكنهم أن يندمجوا مع «الأنت» بقدر متساو، كما أن النحو الإيطالي - فيما يشير بريان ماكهيل - «يجبر كالفينو على تحديد عدد قرائه وجنسهم داخل النص الأصلي؛ فالقارئ، من البداية، مذكر مفرد» (القص ما بعد الحداثي، ص256). ولكن في النهاية يصبح لدى كالفينو قارئان، أحدهما مذكر والآخر مؤنت، يمضيان معًا(١٤). وأكثر النقاط غموضًا في معظم نظريات القارئ «الضمني» أو القارئ «المثالي»، هي الفشل في إدراك الجنس الضمني لذلك القارئ. وكما يلاحظ باتروشينيو شويكارت، فإن «الأبحاث المختلفة حول تجربة القراءة، تلقي نظرة شاملة على قضايا المنافسة، والطبقة، والجنس، ولا تشير إلى الصراعات، ولا المعاناة، ولا العواطف الحاضرة في تلك الحقائق.. ولا يمكن لنقاد التلقي أن يلجأوا لموضوعية النص، أو يلجأوا حتى لمقولة مؤداها أن النقد القائم على جنس محايد أمر ممكن (ص٣٤-٣٨-٣٩).

وقد صنعت جامايكا كينكيد Jamaica Kincaid الأمر نفسه في كتابها غير القصصي عن جزيرة الأنتيجوا Antigua بعنوان «مكان صغير»، وهو عمل تقوم نغمة خطابه على تنويعة أخرى من تنويعات الكتابة بضمير المخاطب، أعني مرشد الرحلات:

«تنزل من طائرتك ، تمر من الجمارك ؛ ذلك أنك سائح من شمال أمريكا أو من أوروبا- أو فلنقل بصراحة: سائح أبيض- ولست سائحاً أسودَ عائدًا من أوروبا أو شمال أمريكا إلى أنتيجوا بما تحتاجه من كراتين مليئة بالملابس الرخيصة والطعام للأقارب.. تتحرك داخل الجمارك بنعومة ، تعبرها بسهولة ، ولا يتم تفتيش حقائبك» (ص٤-٥).

تكشف كينكاد، بإدراكها للمكانة التنافسية والاقتصادية «للأنت» في كتابها، عن آليات الجمهور المنقسم، وتتحدى «الأنت» المتناغمة التي تنطوي على تصور شامل، جذري، مثالي. وتدرك كينكاد- بألم- جماعات التلقي المتعارضة، فضلا عن الشفرات الإيديولوجية التي تكسو أفكارًا من قبيل القارئ النموذجي. وهكذا تم إبراز الفرضيات الخاصة بممارسة جمهور من الطبقة البيضاء - العليا والوسطى - لفعل القراءة، وتم فضح هذه الفرضيات، وخاصةً تلك الفرضية الماكرة التي تقول بأن هذا الجمهور هو - «بطبيعة الحال»- الأنت الشاملة التي يتوجه إليها النص. وكما توضح تأملات الكتاب المتوالية حول اللغة(( أوليس من نافلة القول أن اللغة الوحيدة التي يمكنني أن أتكلم بها عن هذه الجريمة هي لغة الجريمة..؟» ص٣١، فإن استفهام كينكاد الموجه إلى «الأنت»، هو جزء من انتقادات أوسع للتشييئ الإمبريالي الذي يقع على الشعوب المستعمرة.

إن المرء ليذكر في هذا السياق، استخدامًا حادًّا آخر لضمير المخاطب، يتجه أيضًا لجمهور من القراء المنعزلين، أقصد الكلمات الأخيرة في كتاب رالف إليسون «الرجل الخفي»: «ما الذي يمكنني أن أفعله بعد ذلك؟ ماذا يمكنني أن أفعل سوى أن أحاول أن أحكي لك ما حدث فعلاً حين دققت عيناك؟ وهذا هو ما يقهرني: من الذي يعرف سوى أنني - على أقل تقدير- أتحدث إليك أنت؟» (ص268). هذه الفقرة، بتساؤلاتها البلاغية، وقافيتها الداخلية، وتوجهها المباشر، تستدعي بسهولة التراثَ الشفاهي الغني في حكي القصة عند الأمريكان الزنوج، ذلك التراث الذي يركز على التفاعل بين المتكلم والجمهور. وبين الحين والآخر نرى كتابًا ضعافًا، ومن خلال إدراكهم وتأملاتهم لهذه «الأنت» المهمة، أصبحوا قادرين على خلق مجالات من الخطاب نسمع فيها أصواتهم الخاصة.

إلى هنا أكون قد ناقشت السرد بضمير المخاطب في القص، وفي مختارات من جامايكا كينكاد، وفي النثر غير القصصي، وربما كان من المهم الآن أن نتوقف عند الأنواع الأدبية الأخرى. ومن الممكن أن نبدأ بذلك النوع الأدبي الغائب المهم: السيرة الذاتية. من المفترض أن الحرفية والمرونة الملازمة للسرد بضمير المخاطب ستكون مناسبة تمامًا لنوع السيرة الذاتية، النوع المزيف من الوجهة النظرية والمصطنع بالضرورة. لقد علق فيليب لوجون على إمكانية سرد السيرة الذاتية بضمير المخاطب، واستشهد بنماذج مختصرة من كتابة روسو ، وكلود روي (ص194-196/220-٢٢١). ومع ذلك توجد سير ذاتية بضمير الغائب (مثل تعلم هنري ادمز)، بينما لم توجد بعد سير ذاتية بضمير المخاطب، رغم أنني أتنبأ - من غير شك- بظهور سير ذاتية ما بعد حداثية، أو سير ذاتية معارضة، تقوم على الوعي بالذات. والنموذج المحتمل لهذه الكتابة يمكن أن نجده في مقالة جين تومبكينز الشخصية/النقدية، وعنوانها «أنا وظلي». ورغم أنها مكتوبة في مجملها بضمير المتكلم المفرد؛ فإن تومبكينز تكرر استخدام «نحن» و«أنت» في مناقشتها للأصوات والمعارف الرجالية والنسائية. إنها تستخدم ضمير المخاطب بكل وظائفه تقريبًا: التوجه إلى الجمهور، والإشارة إلى ضمير «المرء»، وإعادة إنتاج الحديث غير المنطوق الموجه إلى ذاتها. وفي صفحة من أغنى صفحات المقالة، تتخذ «الأنت» شكلاً قريبًا من ذلك الذي وجدناه في القصص المكتوبة بضمير المخاطب: «لا يمكنك أن تصل إلى الشيء الذي يوزع الظل، فأنت ما ان تنتقل يسقط الظل في مكان آخر، أما يزال الظل ظلك، إنك لا تصل إلى»ما وراء«ذاتك» (ص174).

ولم يكن من الغريب أن يستخدم الشعر ضمير المخاطب بشكل ملحوظ، على الأقل منذ المونولوج الفيكتوري وابتهالات بودلير في «محاضرة هيبوقراط». وكمايلاحظ جوناثان هولدن في محاضرته المثيرة «إساءة فهم ضمير المخاطب» (ص٣٨-56)، فإن واحدًا من أبرز التقاليد لتجميع القوة الدافعة في الشعر الأمريكي اليوم، هو الاستخدام المتزايد يومًا بعد يوم لنوع من «الأنت» المراوغة التي يمكن أن تحيل على القارئ، أو تدل على معنى ضمير الغائب المفرد الموجود في كلمة «المرء»، أو قد تكون هي الشاعر (الراوي) الذي يشير إلى نفسه بكلمة «أنت» (ص٣٨). ومن بين المؤلفين المعاصرين الذين استخدموا هذا الصوت غير المألوف بطريقة مخادعة، كل من مارجريت أتوود، وجون أشبيري، وو.سي. ميروين. والإطار النظري لهذه المقالة يمكن أن يفيد في تحليل الشعر، هذا ما تؤكده نظرة سريعة إلى قصيدتي دونالد جاستيك؛ إذ تتحرك قصيدة «صورة بشعر قصير» - وهي القصيدة الأولى في ديوان «صور الستينيات» -بين الصيغتين : النموذجية والشرطية :
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mohamedgouindi.kanak.fr
 
السر بضمير المخاطب(2)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
محمد اكويندي :: التصنيف الأول :: دراسات أدبية-
انتقل الى: