رحيل الجدة في الثلاثاء
التاريخ: Tuesday, March 27
اسم الصفحة: ثقافة
قصة/ سيامند هادي
ترجمة/ تارا شيخ عثمان
فجأة وفي تلك اللحظة التي اخبروه فيها النبا، كانت امسية يوم الثلاثاء، كأنه عابر سبيل يتخطى خطواته مشغولا بتنظيف الشباك الذي يطل على الزقاق، لم يكن يتصور ان بضع كلمات تقطع خيوط ذكرياته كلها وفي غمضة عين كانه يرمى من عالم الى عالم آخر. في سماعه لاول كلمة استذكر ظهر ذلك اليوم الاثنين، عندما تاه عن جدته بين حشد الناس في سوق المدينة
وعندما ادرك بانه امسك بعباءة امراة اخرى تخيل بانه في صحراء جرداء انسته كل الدنيا. وفي لحظة سماعه النبأ احس بذلك الضياع ثانية، وبعد برهة من تفهم النبا، تنفس عميقا وانقطع عن تنظيف الشباك، وفجأة جمع خيوط المستقبل ومع التفاتة سريعة لماض ذاب في حاضره، ربما لايفهم ذلك السر، فكلما انقطع تأمله لمستقبل يذكر يوم رحيل جدته..!
احيانا كان يرجح الى انه اهمل جدته قبل موتها وبعدها شعر بتلك الحقيقة حين كانت جدته على قيد الحياة لم يعر لها اي اهتمام، ولم يهتم بطلباتها او حتى لم ينظر الى ممتلكاتها بعين الاهتمام. كانت جدته تود ان يستمع الجميع اليها حين تتكلم وكلهم آذان صياغة، كانت الجدة، تحافظ على ممتلكاتها كثيرا وتنصحهم بان يحافظوا ايضا على تلك الاشياء والممتلكات. لكنهم لم يهتموا بكلامها ولابممتلكاتها بل كانوا ينظرون اليها ككائن مشمئز ومهمل. احيانا كانت جدته في خلاف مع حفيدها لانه كان يضيع منها الاشياء المحببة اليها.
وفي يوم من الايام تشاجرت جدته مع حفيدها لانه افسد لها (لحافا) كانت قد نسجته منذ امد بعيد. مرة اخرى تشاجرت معه، لانه اخفى عنها (علبة سجائرها) ووضع فيها كراته الزجاجية (الدعبلات). مع ذلك كله، لم تستطع الجدة ان تعيش بدونه وكانت تحب ان تروي له حكاياتها. وفي ذلك اليوم الذي اودعتهم الجدة الى الابد وبعد كل ذلك الاهمال شعر بذنب كبير وادرك حقيقة انهم لم يستطيعوا ان يهتموا بها ويصغوا اليها ولو لمرة واحدة. بعد موت الجدة، كانت ذكرياتها تلاحقه لحظة بلحظة. كان يتحسر دوما. لانه لم يتمكن من الحفاظ على الممتلكات ولم يعرف كيف وفي طرفة عين، ضاعت كل تلك الممتلكات ؟!
احيانا كان يلوم ابنه ويتهمه بانه وراء ضياع تلك الممتلكات، لكن ابنه ببكائه ينجو بنفسه من دائرة الاتهام تلك. كان ينظر الى الغرفة كل يوم وكانها اجزاء من صورة وجسد جدته، بعد موتها وفي ليالي الشتاء خاصة يتذكر جدته وهي جالسة في وسط الغرفة وتروي لابنه حكاياتها، ضوء المصباح الذي كان في الجهة اليسرى يرسم ظلا كبيرا لجدته والجهة اليمنى من الغرفة. واينما يجلس كان ظل جدته يظهر امام عينيه. عندما كان يستلقي على ظهره يرى سقف الغرفة يصبح فضاء لحكايات كانت جدته ترويها لابنه، وحينما يستلقي على جنبه وينظر الى الشباك، تظهر امامه كل الاشياء التى كانت جدته تخيف بها ابنه.
بعد موت جدته لم يكن يتوقع, بانه كلما دخل ابنه رأى خيال جدته وهي تخرج من الغرفة، وحينما يقف في الغرفة كان يرى اشياء وحاجات جدته مبعثرة كما كانت جدته قبل موتها. لم يدرك لماذا كلما تامل فى ابنه يرى صورة جدته في ملامح وجهه؟! كان يتذكر كل الايام التى كانت جدته وابنه يجلسان فيها يتشاجران تارة ويجلسان بسلام تارة اخرى. كانت جدته تود ان تاخذ حفيدها معها حينما تقوم بزيارتها, لكن حفيدها لم يكن يحب تلك الاماكن التى كانت تذهب اليها جدته الكبيرة احيانا جدته تذهب لزيارة المشايخ والاماكن المقدسة، وكانت ترى بان في زيارتها لتلك الاماكن خيرا كثيرا. وفي كل مرة، تطلب من حفيدها ان يرافقها لكنه لم يكن يحب ذلك، وكان يقول لها (جدتي ان ذهبت بي للسينما فسآتي معك).
وحين تروي جدته الحكايات لحفيدها تقف هادئة على احداث الحكايات، لكن حفيدها يكون منشغلا باللعب (بالميكانو) ويصنع منها اشياء كثيرة ولم يكن ليهتم بحكايات الجدة. في احدى الليالي وبينما كانت جدته تروي حكاية رجل لديه ثلاثة اولاد وفي لحظة الاحتضار جمعهم واوصاهم ان يلازموا ضريحه ثلاث ليال على التوالي لكن ابنيه الاكبر والاوسط لم يستمعا اليه ولا لوصيته ماعدا الابن الاصغر الذي عمل بوصية ابيه وبقي ثلاث ليال على التوالي عند ضريح ابيه وبعدها ادرك السر والحكمة من وصيةابيه ، وبعد ان انتهت الجدة من سرد القصة قالت لحفيدها (وانت، يجب ان تكون مثل ذلك الولد وان تسمع الكلام). في هذه الاثناء رفع (حفيدها) بضع قطع من الـ(ميكانو ) وقال لجدته (جدتي اتعجبك هذه الطائرة التي صنعتها ؟).
في الامسية التي اخبروه النبأ، ارسل خياله وهو يقوم بتنظيف الشباك الى المستقبل البعيد وكان يدورحول صورة وحياة ابنه وبدون ان يراقبهااحد كان يحلم بمستقبل ابنه الزاهر. وفي حين آخر كان يتنفس متحسرا ويتذكر موت جدته، لان موتها ترك فيهم الما كان محالاان ينساه احد. وكان هو قد امضى كل طفولته مع جدته، ولكن كيف كان بامكانه ان يهملها بهذه الصورة، قبل مماتها لم يحس بانه قد نسي جدته ولم يتخيلها، لكن بعد موتها ايقن بانهم اهملوها وكان موتها نتيجة لإهمالهم لها. كان يتصور بان اعالة شخص تعتبر اكبر اهتمام بذلك الشخص، ولكنه لم يتخيل بان جدته كانت تريد منهم ان يستمعوا اليها باستمرار ويحافظوا على ممتلكاتها.
كانت جدته حينما تروي حكاية تمزج معها عدة قصص اخرى وامثلة وحكم وكانت تنصح حفيدها ان يحفظ تلك الامثلة والعبر عن ظهر قلب، وكان سحر تلك النصائح الحزينة كبيرا عليه، حينما اخبروه بالنبا تذكر يوم موت جدته، وكان امسية يوم الثلاثاء. وكان باب بيتهم مفتوحا على مصراعيه، وكان الناس يدخلون ويخرجون من البيت كانت جدته مريضة منذ اسبوع وكانت تنتظر الدواء الذي كتبه الطبيب لها لكنه لم يتصور موت جدته، وبعد ان اقترب اكثر من بيتهم اخبره احد الجيران بان جدته قد ماتت، بعد بضعة ايام من موت جدته، احس بذنب كبير لانه لم يحضر لها الدواْءالذي كتبه الطبيب لها، لذلك ولتبرير ذنبه اشترى الدواء ووضعه في مكان من البيت حتى يرى ملامح جدته كلما نظر الى الدواء، انه عمل هذا حتى يعوض عن العمل الذي لم ينجزه في وقته، ولم يدرك ان انجاز عمل بعد فوات اوانه لايعني شيئا. المراة التي اخبرته نبا موت جدته هي نفسها روت له بانها عندما كانت تحتضر تطلب الدواء وتطلب رؤية حفيدها (هو) باستمرار حتى تنظر اليه للمرة الاخيرة، لكن احدا لم يستطع ان يعثر على حفيدها آنذاك، وذلك استجابة لآخر طلب لها في الاقل، وكان ولده هو يقضي معظم اوقاته مع جدة ابيه لانه حينما ولد هو ماتت امه، لذلك كان يعيش مع ابيه وجدة ابيه في بيت واحد، واستدرك الطفل ايضا بانه وبعد موت جدته الكبيرة لايستطيع ان يعيش ايامه بسلام. ولهذا طلب من ابيه ان ياخذه الى ضريح جدته، لكنه اهمل ذلك الطلب ولم يستطع ان ياخذه الى ضريحها، وبعد موت جدته امسى هو وابنه يعيشان معا ,ففي النهاركان يذهب خارجا الى عمله وطفله يبقى في البيت وكان عليه ان ينتظر اباه الى ان يعود, وفي وحدته كان يفكر في جدته الكبيرة. من المحتمل انه ايضا ادرك بانه لم يهتم بجدته في حينها، لانه لم يتصورآنذاك بان ياتي يوم تموت فيه جدته في حين اخبروه بالنبأ.
كانت امسية الثلاثاء مثل الامسية التي سمع فيها نبأ موت جدته دون ان يدسلام الله عليك
نعم كان يجب أن تتركه لأن النص ينسب لصاحبه وترفض النشر إذا كانت لديك تحفظات.رك بان ابنه سيشرب ذلك الدواء الذي احضره لجدته، كان جيرانه اخذوه الى المستشفى لكنه لم يعرف ذلك الحادث، وبدون ان يراه احد عاد الى البيت. بعد ان نادى ولده لمرات عديدة، اشعل المصباح في القسم الامامي للبيت واخذينظف ذلك الشباك الذي يطل على الزقاق، في ذلك الحين، وعندما كان مشغولا بتنظيف شباك الغرفة فجاة دخلت نفس المراة التي اخبرته بموت جدته وكانت امسية الثلاثاء ايضا، وقطعت خيوط خياله، وبنفس متقطعة اخبرته بأن ابنه قد مات.