محمد اكويندي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

محمد اكويندي

مرحبا بكم في منتدى محمد اكويندي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تتمة القصة..كارثة المنجم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد اكويندي
Admin
محمد اكويندي


عدد الرسائل : 164
تاريخ التسجيل : 22/12/2006

تتمة القصة..كارثة المنجم Empty
مُساهمةموضوع: تتمة القصة..كارثة المنجم   تتمة القصة..كارثة المنجم Icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 31, 2007 1:47 pm

* * فتوّجه إلى غرفة ليرّد على المكالمة. كانت صديقته المستنسخة، ومكالمة هاتفية مستنسخة لانهائية أخرى.
نومهرن الهاتف أردت أن أقول له إنه كان يوماً حافلاً، لكنه ظل يتكلم على الهاتف إلى الأبد. لم أعد أنتظره وفتحت التلفزيون. كان جهازاً ملوناً حجمه سبعة وعشرون بوصة وله جهاز تحكّم عن بعد، لا تكاد تلمسه حتى تتغير القناة. كان للتلفزيون ستة مكبرات صوت وصوت ضخم. لم أر في حياتي مثل هذا التلفزيون الرائع.
أجريت دورتين كاملتين على القنوات قبل أن أتوقف عند برنامج إخباري. اشتباك على الحدود، حريق، أسعار الصرف في ارتفاع وهبوط، قيود جديدة على استيراد السيارات، مباريات السباحة الشتوية في الهواء الطلق، انتحار أسرة. بدا لي أن جميع هذه الأخبار يرتبط أحدها بالآخر بطريقة ما، تماماً مثل الأشخاص في صورة تخّرج في الثانوية.
"هل توجد أخبار مثيرة للاهتمام؟" سأل صديقي عندما عاد إلى الغرفة.
"ليس في الواقع"، قلت.
"هل تشاهد التلفزيون كثيراً؟"
هززت رأسي وقلت: "لا يوجد عندي تلفزيون".
"على الأقل هناك شيء جيد في التلفزيون"، قال بعد فترة صمت، ثم أضاف: "تستطيع أن تغلقه عندما تشاء. ولا أحد يتذمر من ذلك".
ضغط زرّ الإطفاء في جهاز التحكم. وعلى الفور أصبحت الشاشة سوداء. لكن الغرفة ظلت مضيئة. أما في خارج النافذة، فقد بدأت الأضواء تنير في البنايات الأخرى.
لبثنا جالسين هكذا قرابة خمس دقائق، نحتسي الويسكي، ولا يوجد شيء نتحدث عنه. رّن الهاتف مرة أخرى، لكنه تظاهر بأنه لم يسمعه. وما أن توقّف الهاتف عن الرنين، حتى ضغط على زرّ جهاز التحكم فعادت الصورة في الحال، وظهر على الشاشة مذيع يقف أمام رسم بياني ويحمل بيده مؤشراً يشرح بواسطته التغيرات التي طرأت على أسعار النفط.
"أترى؟ حتى أنه لم يلاحظ أننا أطفأناه لمدة خمس دقائق".
"صحيح"، قلت.
" لماذا في رأيك؟"
كان التفكير بهذا الأمر مشكلة كبيرة بالنسبة لي، لذلك هززت رأسي وقلت: "عندما تطفئه، يتوقف أحد الجانبين عن الوجود. إنه هو أو نحن. ما أن تضغط على الزر حتى يصبح هناك تعتيم على الاتصالات. إنه أمر سهل"، وأضفت: "هناك طريقة واحدة في التفكير في الأمر".
"هناك ملايين الطرق في التفكير. ففي الهند يزرعون أشجار جوز الهند. وفي الأرجنتين تمطر السماء سجناء سياسيين من الطائرات المروحية". أطفأ التلفزيون مرة أخرى، وقال: "لا أريد أن أقول شيئاً عن الشعوب الأخرى. لكن فكّر في أنه توجد طرق للموت لا تنتهي بالجنازات. أنواع من الموت لا تستطيع أن تشمها".
أومأت بصمت. خيّل إليّ أني فهمت ما يرمي إليه. وفي الوقت نفسه، شعرت بأني لم أعرف ما يقصده تماماً. كنت متعباً ومشوّشاً بعض الشيء. جلست هناك أعبث بإحدى أوراق النباتات الخضراء.
قال بحماس: "يوجد لديّ قليل من الشمبانيا التي كنت قد أحضرتها عندما كنت في رحلة عمل إلى فرنسا منذ فترة. لا أعرف الكثير عن الشمبانيا، لكن من المفترض أنها ممتازة. هل تريد قليلاً منها؟ قد تكون بحاجة إلى قليل من الشمبانيا بعد حضورك سلسلة الجنازات تلك".
أخرج زجاجة الشمبانيا المبرّدة وكأسين نظيفين ووضعهما بهدوء على الطاولة، ثم ابتسم بخبث وقال: " كما تعرف فإن الشمبانيا عديمة الفائدة تماماً"، وأضاف قائلاً: الشيء الجيد الوحيد فيها هو عندما تطلق الفلينة صوت فرقعة".
"لا أستطيع أن أجادلك في هذا الأمر"، قلت.
فتحنا الزجاجة وفرقعت الفلينة، وتحدثنا قليلاً عن حديقة الحيوانات في باريس والحيوانات الموجودة هناك. كانت الشمبانيا رائعة.
* *
حضرت حفلة رأس السنة التي يقيمونها سنوياً في عشية السنة الجديدة في إحدى الحانات في منطقة روبونغي التي تُستأجر خصيصاً لهذه المناسبة. وكان هناك عزف ثلاثي على البيانو، والكثير من الطعام اللذيذ والشراب الجيد، وصادفت شخصاً أعرفه، ورحنا نتجاذب أطراف الحديث قليلاً. كان عملي يقتضي أن أحضر كلّ سنة. لم أكن أحبّ الحفلات، لكنني حضرت هذه الحفلة لأنه لم يكن لديّ شيء أفعله عشيّة رأس السنة الجديدة، وكان بإمكاني أن أقف هناك وحيداً في الركن، مسترخياً، أشرب، وأستمتع بالموسيقى. لا أشخاص مقيتين، ولا حاجة لأن أتعرف على غرباء وأنصت إليهم وهم يتشدقون لنصف ساعة عن كيف أن طعام النباتيين يشفي من مرض السرطان.
لكن في مساء ذلك اليوم عرّفني أحدهم على امرأة. وبعد حديث عادي، حاولت أن أنكفئ وأعود إلى زاويتي ثانية. لكن المرأة تبعتني إلى مقعدي، وكأس الويسكي في يدها.
"لقد طلبت أن أتعرف عليك"، قالت برقة.
لم تكن من النوع الذي يدير رؤوس الرجال، مع أنها كانت جذّابة.
كانت ترتدي فستاناً أخضر من الحرير غالي الثمن. خمنت أنها في الثانية والثلاثين من عمرها تقريباً. كان بوسعها أن تجعل نفسها تبدو أصغر سناً بسهولة، لكنها يبدو أنها كانت تظن أن الأمر لم يكن جديراً بالمحاولة. وكان تزين أصابعها ثلاثة خواتم، ورفّت على شفتيها ابتسامة واهية.
قالت: "إنك تشبه شخصاً أعرفه. ملامح وجهك، ظهرك، الطريقة التي تتكلّم بها، مزاجك العام – إنه لشَبَه يثير الدهشة. إني لم أرفع عيني عنك منذ أن وصلت".
"إذا كان يشبهني إلى هذه الدرجة، فإني أريد أن ألتقي به"، قلت. ولم يخطر ببالي شيء آخر أقوله لها.
"هل حقاً تريد ذلك؟"
"أريد أن أرى كيف يشعر المرء عندما يلتقي بشخص يشبهه تماماً".
ازدادت ابتسامتها إشراقاً لوهلة، ثم عادت إلى ما كانت عليه وقالت: "لكن هذا مستحيل. لقد مات منذ خمس سنوات. عندما كان في نفس عمرك الآن".
"صحيح؟" قلت.
"لقد قتلته".
كان الثلاثي على وشك أن ينهوا معزوفتهم الثانية، وانطلق تصفيق فاتر.
"هل تحبّ الموسيقى؟" سألتني.
"أحبها إن كانت موسيقى لطيفة في عالم لطيف"، قلت.
"في عالم لطيف لا توجد موسيقى لطيفة"، قالت، وكأنها تكشف سراً عميقاً، وأضافت: "في عالم لطيف، لا يتذبذب الهواء".
"نعم"، قلت، ولم أعرف كيف أردّ عليها.
"هل شاهدت الفيلم الذي يعزف فيه وارن بيتي البيانو في ناد ليلي؟"
"لا، لم أشاهده".
"تكون فيه إليزابيث تايلور واحدة من زبائن النادي، وهي حقاً فقيرة وبائسة".
"هممم".
"ويسأل وارن بيتي إليزابيث تايلور إن كانت لديها أي طلبات".
"وهل طلبت منه شيئاً؟"
"نسيت. إنه حقاً فيلم قديم".
كانت خواتمها تتلألأ وهي تشرب الويسكي. "إني أكره الطلبات. تجعلني أبدو حزينة. إنها مثل عندما آخذ كتاباً من المكتبة. ما أن أبدأ في قراءته حتى يصبح كل همي متى أنهيه".
وضعت سيجارة بين شفتيها. أشعلت عود ثقاب وأشعلت لها السيجارة. قالت: "لنر، كنّا نتحدّث عن الشخص الذي يشبهك".
"كيف قتلتيه؟"
"ألقيت به في خلّية نحل".
"إنك تمزحين، صحيح؟"
"نعم"، قالت.
بدلاً من أن أتنفس الصعداء، أخذت جرعة من الويسكي. كان الثلج قد ذاب ولم يعد طعمه يشبه طعم الويسكي.
"بالطبع، من الناحية القانونية أنا لست قاتلة"، قالت. "ولا من الناحية الأخلاقية".
إنها ليست قاتلة، لا من الناحية القانونية ولا من الناحية الأخلاقية. استعرضت النقاط التي عرضتها مع أني لم أكن أريد ذلك. "لكنك قتلت شخصاً".
"صحيح"، أومأت بسعادة، "شخص يشبهك تماماً". في وسط الغرفة أطلق رجل ضحكة عالية. وراح الذين يتحلقون حوله يضحكون أيضاً. كؤوس تُقرع. بدت بعيدة جداً لكنها شديدة الوضوح. لا أعرف السبب، لكن قلبي كان يخفق بقوة، وكأنه كان يتوسّع أو يصعد ويهبط. أحسست وكأني أمشي على أرض تطوف فوق الماء.
"استغرق قتله أقل من خمس ثوان"، قالت.
صمتنا لبرهة. كانت تأخذ وقتها، تتذوق طعم الصمت.
"هل فكرت أبداً بالحرية؟" سألتني.
"أحياناً"، قلت. "لماذا تسألين؟"
"هل تستطيع أن ترسم أقحوانة؟"
"أظن ذلك. هل هذا اختبار شخصية؟"
"تقريباً"، ضحكت.
"حسنا، هل نجحت؟"
"نعم"، أجابت. "ستكون على ما يرام. لا تقلق من شيء. حدسي يقول لي إنك ستعيش حياة مديدة بعض الشيء".
"شكراً لك"، قلت.
بدأت الفرقة تعزف Auld Lang Syne
"الحادية عشرة وخمسة وخمسون دقيقة"، قالت، ونظرت إلى ساعة الذهب المعلقة في سلسلة. "أنا أحبّ حقاً Auld Lang Syne . هل تحبّها أيضاً؟"
"أنا أفضّل Home on the Range مع كلّ تلك الأيائل والظباء".
ابتسمت وقالت: "لا بد أنك تحبّ الحيوانات".
"نعم"، قلت. وفكّرت بصديقي الذي يحبّ حدائق الحيوانات، وببدلته التي كنت أستعيرها لحضور مراسم الجنازات.
"استمتعت بالحديث إليك. إلى اللقاء".
"إلى اللقاء"، قلت.

* *
لقد أطفأوا مصابيحهم لتوفير الهواء، وخيم عليهم الظلام. لم يتكلم أحد. كلّ ما كان بوسعهم أن يسمعوه في الظلام هو صوت الماء يقطر من السقف كلّ خمس ثوان.
حسناً، حاولوا ألا تتنفسوا كثيراً. لم يتبق لدينا كثير من الهواء"، قال عامل منجم عجوز. خفض صوته ليصبح همساً، لكن رغم ذلك كانت الأعمدة الخشبية في سقف النفق تصرّ قليلاً. في الظلام، تكوّم عمّال المناجم معاً، يجاهدون لسماع صوت واحد. صوت الفؤوس. صوت الحياة.
انتظروا ساعات طوال. بدأ الواقع يتبدد في الظلام. بدأ كلّ شيء يبدو وكأنه يحدث منذ زمن بعيد، في عالم بعيد جداً. أم أنه كان يحدث في المستقبل، في عالم بعيد مختلف؟
في الخارج، كان الناس يحفرون حفرة، يحاولون الوصول إليهم. كان أشبه بمشهد من فيلم سينمائي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mohamedgouindi.kanak.fr
 
تتمة القصة..كارثة المنجم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
محمد اكويندي :: مختارات-
انتقل الى: