محمد اكويندي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

محمد اكويندي

مرحبا بكم في منتدى محمد اكويندي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 رجل وحيد مع نفسه

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد اكويندي
Admin
محمد اكويندي


عدد الرسائل : 164
تاريخ التسجيل : 22/12/2006

رجل وحيد مع نفسه Empty
مُساهمةموضوع: رجل وحيد مع نفسه   رجل وحيد مع نفسه Icon_minitimeالجمعة أكتوبر 26, 2007 8:16 am

رجل وحيد مع نفسه!
رشاد أبوشاور


26/10/2007
رجل وحيد مع نفسه Empty
R




تمطّي في الفراش، تثاءب بصوت عال، ثمّ استرخي ماطاً ساقيه، ثمّ شابكاً قدميه كأنهما يتعانقان، عندئذ تذكّر أنه لم يستضف إحداهن في فراشه لتؤنسه لوقت قصير ممتع كما هو شأنه عادة عندما يحتاج جسده لمتعة اللقاء هذه.
احتضن نفسه، وهو يبدّل وضعية نومه، ليأخذ وضعاً متكوراً علي جنبه الأيمن. راقه أنه يحتضن نفسه، وأنه مع نفســـــه، وأن أحداً لا يثقل عليـــــــه ويزعجـــــــه، فلا أطفال، ولا امرأة تقاسمـــــه الفراش، ولا طلبات وابتزازات عاطفــيّة. إنه مكتف بنفسه، وعندما يلح جسده عليه بالرغبة يستدعي إحداهن فتلبّي، من ينتقيهن غالبا يلبين.
بانسيابية ينسل من فراشه في هذا الصباح الربيعي. نزع الغطاء عن بدنه كأنما هو دودة قز. أعجبته الفكرة : أنا دودة قز، أنا ناسج الحرير، سيّد الحرير الأنيق. أنا..أنا القادم من أزمنة سحيقة، أنا منعش الروح سيّد الـ..ماذا؟! سأفكّر في التتمة بعد أن أرتشف قهوة الصباح...
جلس مع نفسه في المطبخ، أعد لنفسه قهوته المطيّبة بهيل كثير. أغمض عينيه ورفّ بجناحيه كفراشة..أنا فراشة، غبط نفسه أنه هو، وأنه فراشة، ودودة قز، أنه رقيق، ومجتاح، شفّاف، وهادر مجتاح..ألست كذلك وأنا أؤدي مونودراما ( أنا الذي لا شبيه لي )، وحيداً علي المسرح، مالئا الفضاء كلّه، جاذبا عيون، وقلوب، وأرواح المئات، رجالاً ونساء، بخيوط من ضوء حضوري الرشيق؟!
يا الهي ما اجمل نفسي! أدم لي نفسي أيها الرب الذي أنا من آيات خلقه الجميلة...
أغمض عينيه وتمتم مرتلاً صلاته الصباحيّة اليوميّة التي يتلوها وهو يسرح مع رائحة القهوة، وليلاً وهو يندّس مع نفسه المرهفة في الفراش، داعياً أن يستيقظ ليجد نفسه منتعشة، رائقة، حيويةً مقبلة علي حياة هي ورد وحرير...
من النافذة يتأمّل السماء: غيوم بيضاء قطنيّة تجمّل الزرقة الرائقة. كم الساعة الآن في وقتي هذا؟
في البيت ساعات كثيرة، هدايا، ومقتنيات من زيارات كثيرة لبلاد العالم. الساعات تشير إلي الأوقات في تلك العواصم حيث العشيقات اللواتي يعرفن أنه غير وفي لهنّ، واللواتي هنّ غير وفيات له رغم ايمانهن ومكالماتهن الليليّة الطويلة المتلهّفة الشبقة.
هدهد نفسه التي توتّرت للحظة :
ـ المهم أنهن يحببنني أكثر من الآخرين أزواجاً أو محبين مخادعين...
كم الساعة الآن في باريس؟ ربّما تكون نائمة الآن فاليوم هو الأحد، وهي في عطلة.
وأنت هناك في لندن يا ملعونة، لم تعودي تتذكرينني، فمنذ ثلاثة أيام لا أسمع صوتك...
وأنت هناك في بيروت، بماذا أنت منشغلة؟ اللعنة عليك وعلي لوحاتك...
يبدو أنني محتاج لامرأة وإلاًّ لماذا أتذكّركن بهذا الإلحاح يا نساءً أتقاسمكن مع رجال لا أعرفهم؟!
مضي إلي الشرفة وهو بملابسه الداخلية، هكذا ينام دائماً في الربيع والصيف، أمّا في الشتاء فالأمر يختلف إذ لا بدّ من الدفء.
تمطّي علي الشرفة. راقه أن يتمطّي. نظر إلي الشوارع من عل فرأي المّارة صغاراً، يتعجّلون في سيرهم، يتقافزون بين السيارات المارة. دخل وأغلق الشرفة.
تأمل جسده في المرآة الكبيرة، وملّس علي صدره وتحت إبطيه وهزّ رأسه وتأمّل خصلة شعره وهي تنسدل علي جبينه. سرّه أن هذا الشعر له، وأنه يجمّل وجهه ويمنحه طلّة، فمسّد عليه كأنما يباركه. دلله بحركات كأنها تبارك سنابل قمح ناضجة.. فكرة جميلة!
استدار وتأمّل فخذيه وربلتي ساقيه وفلقتي إليتيه، فجن بالتناسق : أنا رائع..إنني اعتني بنفسي..ياه!.ما أجمل أن أعيش مع نفسي، أتأملها، أعني بها.
خيّل له أنه علي المسرح، فانتشي وحرّك رأسه كما لو أنه رأس حصان، نطّط غرّته علي جبينه فسمع صهيلاً يدوّي في صدره، ثمّ ينفجر مالئا فضاء الفضاء، متجاوبا في الصالة الفسيحة حيث صوره الكثيرة في مشاهد متعددة معلّقة علي الجدران.
وجوه كثيرة تندغم ببعضها، أيد تصفّق بصخب يملأ الفضاء، ناس ينهضون، يفتحون أفواههم مبهورين، وهو ينحني بأناقة، يبتسم برضي، ينظر إليهم باشتهاء، فهم له، وهو يلتّذ بهذا التواصل بينه وبين جمهوره...
انحني وفي عينيه دموع، دموع غزيرة من فرط النشوة، كأنما يصلّي، هكذا في الفضاء المفتوح، يجلس علي غيمة بيضاء رشيقة تمضي به ماخرةً المطلق.
ارتطم رأسه بالمرآة فدوّي تهشّم الزجاج، فداخ من الارتطام، وهاله مرأي انبثاق الدم الذي بلل وجهه وعنقه وصدره.
المرآة الكبيرة بلا ناس، وجهه ليس فيها، فقط دم يتناثر علي الرخام، يبلل صدره، يسيل علي عنقه.
أخذ يصرخ :أنا أنزف، أنا أموت، أنا..أنا..أنا..وحيييييد...
لم يكن هناك أحد ليسعفه، أو يضمد جرحه، أو يسارع لإنقاذه...
ترنح وهو يحاول سحب الجرّار والقفل ليفتح الباب الذي يغلقه جيّداً خشية أن يقتحم خلوته أحد، ولكنه داخ وتهاوي، فتلوّي علي الرخام البارد، واسترخي جسده بوهن...
أخذ يهذي : أنا وحيد، وحيد، ، وحيد. الباب موصد، وأنا وحيد، أنا لا أراني في مرآتي، لو يأتي أحد ما ويطرق الباب، لو..أنا..أنا...وهمد.
أهدي هذه القصّة إلي صديقي المفكّر الأكاديمي أحمد برقاوي صاحب كتاب (الأنا)...




</FONT>


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mohamedgouindi.kanak.fr
 
رجل وحيد مع نفسه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
محمد اكويندي :: مختارات-
انتقل الى: